الاثنين، 18 يناير 2010

طرق مختلفة للتفكير

طـــرق مختلفــــة للتفكــــير

التفكير المنطقــي، التفكير السـببى، التفكـير المختـزل و التفكير الشامل

لماذا يجب علينا الخروج من إطار التفكير الإنساني النمطي السائد؟ ولماذا يجدر بنا العمل على تحسس واكتشاف أساليب التفكير الأخرى ؟ ----- هذة المقالة تلقى الضوء على انماط أخرى من التفكير وتساعدنا على اكتشاف اسلوب كل واحد منها، حيث يساهم ذلك فى نهاية الامر على تنمية مقدرة التفكيرالانساني وخصوصا تجاه اتخاذ القرارات الصائبة المرتبطة بالاحداث المختلفة التى نتعايش معها يوميا.

التمهــــــيد

في حقيقة الأمر هناك أكثر من طريقة أو أسلوب للتفكير الإنساني، هذا الأمر قد يكون مستغربا من البعض، ولكن نشأتنا ومـا تدربنا عليه وتعلمناه طوال مراحل العمر وما تعودنا علية يجعلنا مقيدين ومتمسكين إلى حد ما بطريقه واحدة في التفكير لإدراك ما يدور حولنا، أو بمعنى آخر نحن جميعا نسير في اتجاه محدود للتفكير يختصر من رؤيتنا وفهمنا للأشياء وقيمتها التي يمكن التعرف عليها بأساليب أخرى من التفكير.
لقد ذكر الســير / جيوفرى فيكرز بأن جراد البحر (الكركند - الاستاكوزا) هــــو مصيدة لنفسه حــيث انه حبيس صدفته التي تعيقه عــــن الحركة السريعــة بالإضافة إلـــى ازرعه الطويـلة و الممتدة مـــن هــــذه الصدفـــة الحـرشفية الملمـــس السهـــلة الالتصــاق بشباك الصيادين، والمعنى مــن ذلك أن هذا الحيوان البحري دائــــما يـــكون محصورا وحبيسا داخل صدفته ومهددا بكل من العوامل والعوائق الخارجية، تفكير الإنسان العادي يكون محصورا وشبيها بحالة الكركند، حيث يفكر و يتحدث و يتفاعل فقط عند الاستجابة لمؤثر ما، ومما يدل على ذلك هو عجزه عـن اجتياز بعض المواقف المتشابهة والمتكررة في حياته.
لاجتياز هـــذه المواقف سيكون من المفيد دائما اللجوء إلى أدوات أخرى للتفكير تخرجــنا مـــن تلـــك النــطاقات و الحدود المحصورين بداخلها و تدفعنا لرؤية واكتشاف المواقف و الأحداث وما يدور حولنا من زوايا مختلفة، وتجعلنا قادرين على القفز فوق عوائق حجب الإدراك المختلفة لنكون أكثر قربا لواقعية ما يدور وما نريد أن نفهمه من أجل معالجتة بصورة صحيحة وكذلك لجعلنا قادرين على التعامل بنجاح مع كل من التعقيدات على الرغم من فرضية كونها صعبة وولتنمية مقدرتنا على علاج غيرها من المألوف والغير مألوف، إن الجزء الأهم في هذا المنحى تنبع من اكتشاف وتقييم رؤية ومنظور الآخرين والعمل على مشاركة مفهومهم، وتلك هي الخصائص التي يتميز بها أسلوب تفكير النظم (Systems Thinking) .
لماذا يجب علينا الخروج من إطار التفكير الإنساني النمطي السائد ؟ ولماذا يجدر بنا العمل على تحسس واكتشاف أساليب التفكير الأخرى ؟
من المفيد أن نتذكر أن الطرق المختلفة للتفكير هي نتاج أصيل وطبيعي للمهارة الفكرية للإنسان وأن البعض من هذه الطرق قد يبدوا للوهلة الأولى منفرا وغريبا والبعض الآخر طبيعيا وبالتالي فإن التعرف على طرق و أساليب التفكير الأخرى يعتبر بحد ذاته وكما ذكرنا مهارة فكرية حقيقية تدفعنا لفهم طبيعة وخصائص هذه الأساليب التي من الممكن أن يكون بعضها غريبا بل محرجا وعصيا على الفهم لدى البعض في بداية الأمر حيث يتوقف ذلك على نظرة ومعالجة وقدرة الشخص ذاته، مما يعنى أن معرفة مدى فائدة استخدام هذه الأساليب لا يمكن التوصل إليها إلا بعد ممارسة هذا الأسلوب لإدراك المواقف وحل الصعاب واكتساب المزيد من الخبرات.
في النهاية وبصوره عامه سنجد أننا يمكن أن نلتقي جميعا فكريا عند مستوى واحد مثلما يحدث في حلقات نقاش المواضيع العامة وإبداء الآراء.
يعتبر كل من التفكير المنطقي والتفكير السببى هما الطريقتان الأساسيتان اللتان يعتمد عليهما الإنسان في التفكير، المنطقية فقط هي غير كافية لمعالجة المواقف والأحداث المعقدة لأن المنطقية تنتهج التوجه المباشر وتتعامل فقط مع الأمور البسيطة والغير معقدة ولا تضع اعتبار لزمنية الحدث وتأثيرة على مجريات الأمور، التفكير السببى يتطلب الكثير من العلم والمعرفة والبحث ويميل إلى النظر تجاه سبب واحد بصورة منفردة وإلى تأثيراته التي يمكن التوصل إليها عن طريق عزل المكونات أو الأجزاء من الكل أو المجموع.
تفكير النظم ينظر إلى ما هو أكثر تعقيدا من ذلك أي إلى المكونات المعقدة ذات الأسباب المتعددة التي تصنع هذه المكونات وتؤثر فيها، الاختزالية أو الشمولية في التفكير تعتبر أساليب فكرية مكملة.
* * * * *

التفكـــير المنطقـي

هناك ثلاث أساسيات تحكم أسلوب التفكير المنطقي (Logical Thinking)، هي:
ا- أن هذا النوع من التفكير يتسم بالموضوعية وأن الاستنتاج من خلاله لا يعتمد على رؤية الفرد الخاصــة
به أو رأيه أو قياسه أو تقييمه للعالم المحيط به الذي تدركه حواسه.
ب - أن الاستنتاج لابد أن يلي ويتبع المنطقية، بمعنى أننا هنا لا نستطيع الاستناد على القول أن الاستنتاج يمكن
أن يكون حسب الحالة
(It Depend) بمعني أنــة لا يمكننا اعتبار أن الأولاد أو الصبية هـــم مـــن البشر
فــــي بعض الأحيان وفى أحيان أخرى أنهم ليسوا من البشر.
ج - أن هيكلية هذا النوع من التفكير متعاقبة وتأخذ الشكل إذا (ا) ..... إذن (ب)، وهذه الحالة يطلق عليها مـا
يسمى بسلسلة الاستنتاجات و في الغالب تكون طويلة المسار (التعاقب).
من الأمثلة الشائعة الدالة على هذا النوع من التفكير هو:
- جميع الأولاد من البشر (1) ----> هــذا ولــد (2) ----> إذا فهو من البشـر (3)
- يبـدأ بالتعميم (1) ----> ثم إلى منطقية محتمة (2) ----> ثم اختصار الأمر إلى حالة بعينها (3)
التفكير المنطقي هو طريقه لربط الأفكار والتعبيرات مع بعضهم البعض، وهو أسلوب قوى وجيد من وسائل التفكير حيث يكون دائما مسئولا عن إنهاء الاتفاقيات ذات المصداقية العالية التي نحتاجها وكذلك لاتخاذ القرارات الحاسمة، وعلى الرغم من ذلك لا نتوقع لهذا الأسلوب من التفكير أن يكون جيدا لكل شيء؛ على سبيل المثال إتباع المنطق في الغالب لا يفي بالغرض عند اللجوء إليه لتصنيف المشاكل الأسرية (العاطفية) وخاصة فيما يتعلق بمسائل الزواج والإنجاب !!.
* * * * *

التفكـــير الســــببى

التفكير السببى (Causal Thinking)هو أسلوب أو طريقة لربط النشاطات أو الأحداث مع بعضها البعض، على سبيل المثال:
مهندس الصيانة سيخبرك بأن ماكينة التصوير في مكتبك لا تعمل ومن المفترض أن يشرح لك الأسباب المؤدية إلى ذلك والتي يمكن أن تتلخص في الأتي:
- ماكينة التصوير لا تعمل بسبب احتراق المنصهر الموصل للتيار الكهربائي (السبب).
- بالتالي محرك الماكينة لم يبدأ في العمل (التأثير).
- محرك الماكينة لــم يبدأ فــي العمــل (السبب) وبــالتالي جهـــاز تقليـب مسحــوق التصــوير لـــــم يـــبدأ
فــي العمــــل أيضا
(التأثير).
- جهـــاز تقليـــب مسحــوق التصــوير لـــــم يــــبدأ فــــي العمــــل (السبب) وبــالتالــي لـــــــم يأخـــــذ
جهــــاز الإحســـاس لملقــــم ورق التصويـــر إشـــارة الاستعـــداد لدفــــع الورقـــة لإنهــــاء عملــــية
التصويـــر
(التأثير) ...... الخ.
مما سبق سنجد أن كافة التأثيرات سلبية نظرا لان الأسباب المؤدية إليها أيضا سلبية.
في الظروف العاديــة وحينما يكـون التيـــار الكهربائي موصولا بالماكيــنة (السبب) يعــمل محـرك الماكيــنة (التأثير) حـــيث يــدفــع (السبب) جهـاز تقليــب مسحـوق التصوير للعمـل (التأثير) الذي يقوم بــدورة أيضا لإعطــاء إشــارة الاستعـــداد (السبب) إلـى جهـــاز الإحســـــاس لملقــــم ورق التصويـــر لدفــــع الورقـــة لإنهــــاء عملــــية التصويـــر (التأثير).
هنا كافة التأثيرات إيجابية نظرا لان الأسباب المؤدية إليها أيضا إيجابية.
أيضا هناك ثلاث أساسيات تحكم أسلوب التفكير السببي مشابهة لأسلوب التفكير المنطقي:
ا- هذا التفكير يتسم أيضا بالموضوعية فكــما رأينا فــي المثال السابق كيف كانت البدايــة موضوعــية (توقف
ماكينة التصوير و أجزائها عن العمل)
.
ب- ثـم يأتـي شـرح المهـندس الفــني معـبرا عـن حـالة توقـــف الماكينة عـــن العمـل بواسـطة سلسـله مـــن
الاستنتاجات والتي لابــد أن تكــون منطقية، وفي هذه المرحلة يختلف التفكير السببى عن التفكير المنطقي من حيث انه يفتح الباب أمام التطرق إلى احتمالات
(أسباب) أخرى ، بمعنى أننا هنا نستطيع الاستناد إلــى
القول حسب الحالة
(It Depend) ، فقــــد يكـــون احتراق المنصهر ناتـــج عـــن عيب أثناء عملية التصنيع (سبب أخر)، أو أن حمل التيار الكهربائي قد ازداد في الآونة الأخيرة بهذه المنطقة (سبب أخر) .....الخ،
من الطبيعي بمجرد قبول منطق أن الماكينة قد توقفت عن العمــل نتيجة احتراق المنصهر فإن الاستنتاجات
ستتوالى من المهندس الفني.
ج- أن هيكلـــية هـــذا الأسلوب مــن التفكـــير أيضــا متعاقبة وتأخـــذ الشكل إذا (ا) ..... إذن (ب) .....إذن
(ج) .......الخ.

* * * * *


 

التفكـــير المختـزل

طرق التفكير المنطقي والتفكير السببي لا تعتبر أساليب جيدة تساعدنــا في التفكير بالنظم وذلك لأربعـــة
أسباب:
أولا: يميل كل من التفكير المنطقي والتفكير السببي كثيرا لملاحظة خصائص حالات أو مواقف معينة ومن ثم محاولة اشتقاق المبادئ العامة أو التعرف على أنماط عامه حول جزء مختار من النشاطات. وعلى النقيض من ذلك فإنه عند التعامل مع الحالات المعقدة فنحن ننظر في أغلب الأحيان لاتخاذ إجراءات معينه من أجل العمل على تحسين هذه الحالات.
ثانيا: كل من التفكير المنطقي والتفكير السببي يدفع باتجاه العقلانية والموضوعية وإهمال ما يمكن أن ينظر إلية كعوامل شخصية أو عاطفية. مما يؤكد على إمكانية أن يبدو الأمر موضوعيا حينما نتحدث حول (عمل نظام محرك السيارة)، لكن على النقيض سيكون من العسير أن يبدو الأمر موضوعيا حينما نتكلم عن (نظام اختيار السيارة ككل)، الناس لديهم أفضليات متباينة.
بالنظر إلى المثال الأول ( عمل محرك السيارة)، سنجد انه يعكس السهولة المتمثلة في رؤيته على أنه نظام آلي وحسب، بينما في المثال الثاني (اختيار نوعية السيارة) فهو يعكس التعقيدات المتمثلة على أنه نظام للنشاط البشري، تتعدد فيه الرؤى حيث يتضح ذلك من خلال تباين وجهات نظر بعض الناس مع وجهات نظر مجموعات أخرى، الأمر الذي يؤكد حتمية الاقتراب من التضارب في وجهات النظر، بل قد يذهب الأمر إلى ما هو ابعد من ذلك وهو الانقسام وهذا ما يكون في أغلب الأحيان وينظر إلية على أنه فوق تصميم الأنظمة ذاتها أو كيفية تشغيلها أو استخدامها.
ثالثا: نحن لا نستطيع دائما توقع سلوك النظم المعقدة (حدوث أي تغييرات قد تؤدى إلى نتائج غير متوقعة). معظم الوقت نحن نردد مقولة – الكل يتوقف على ......، على سبيل المثال:
عند تثبيت برنامج جديد لنظام معلومات ما على الحاسب الآلي علينا أن نسأل أنفسنا:
- هل كان هذا البرنامج ملائما للمهمة التي تم شراؤه من اجلها ؟.
- هل الأشخاص المطلوب منهم التعامل مع هذا البرنامج مؤهلين للعمل مع الحاسب الآلي، وما مدى درجة
تأهلهم إلى ذلك ؟.
- هل العوامل السابقة لها تأثيرا على تعامل الأشخاص مع البرنامج بيسر؟.
- وأخيرا ما هو الجزء الذي تم اعتباره ضمن المواصفات القياسية الأصلية للبرنامج ؟
رابعا: تتميز النظم بما يطلق علية بالترابطية البينية (Inter-connectivity) ، وبشكل خاص بحلقات المردود (رد الفعل) (Feedback Loops) لذلك فإن اللجوء إلى التفكير في الأسباب والتأثيرات البسيطة والمنفصلة لن يساعدنا في الأخذ بعين الاعتبار العديد من عوامل التفاعل البيني المختلفة وحلقات المردود.
هذه الملامح التي تسعى دائما إلى معرفة الأسس العامة لحالات أو مواقف معينه، تعمل علي إهمال العناصر الذاتية والشخصية، والتركيز على النظم ألأسهل وتفتيت الحالات أو المواقف إلى أجزاء أصغر حيث يتضح عندئذ التأثيرات الناتجة عن سبب واحد، وهذا ما يطلق علية تقليديا العملية العلمية (Scientific Operation) .
هذا الاختزال يعيق بصورة غير طبيعية المكونات في نظام ما من توفير إمكانية ملاحظة تكرار البيئات، ولكن على الرغم من ذلك، فإن الاختزال أثبت فعالية كبيرة في التطبيق والحصول على مثل هذه النتائج الضمنية البارزة في لغتنا وأدبنا وتفكيرنا. العلة الأخرى في هذا النوع من التفكير هي محدودية حساب أي تغييرات كمية، ولكن مع وجود الحاسبات الآلية اتاح ذلك للعلماء توجيه النظر إلى الحالات الأكثر تعقيدا التي تتميز بلا خطية، وإلى ملاحظة التفاعلات الديناميكية بدلا من الحالات البسيطة ذات العلاقات الخطية.
من أجل التعامل مع ظاهرة من الظواهر أو محاولة فهم موقف من المواقف من خلال هذا الأسلوب من التفكير المختزل (Reductionist Thinking) فإنه لابد لنا من اللجوء إلى تفتيت الأجزاء إلى أخرى أصغر منفصلة ثم نعكف على دراستها واحدة بواحدة فإذا استعصى الفهم نلجأ مرة أخرى إلى عملية التفتيت والفصل للأجزاء حتى نصل إلى ما نريد من استخلاص للنتائج واتخاذ القرارات المرتبطة بفهمنا لكل جزء من الأجزاء، وهذا الأسلوب للاختزال يعتبر الأمثل الذي ترتكز علية معظم النشاطات العلمية و التقنية.
على أية حال، تفكير النظم يضع في الحسبان هذه العوامل المعينة عن طريق تبنى النظرة الشمولية التي تعمل على إكمال النشاط المختزل و/ أو بمعالجة الحالات حينما يكون كل من التفكير العلمي والطريقة العلمية غير ملائمة.
* * * * *

التفكــــير الشامــل

يتعامل التفكير الشامل (الشمولى) (Holistic Thinking) مع المجموع أو الكل بدلا من المكونات أو الجزيئات، فالفكرة الأساسية لمفهوم هذا النوع من التفكير بسيطة جدا ومباشرة. و حتى نتوصل إلى معرفة هذا المفهوم سنتعامل مع السياق التالي، أنت مهندس ديكور وأمامك مهمة لتجهيز معرض للصور الفوتوغرافية الكثيرة والمتعددة الأحجام، أنت مكلف باختيار ما يناسب من الصور وبتوزيعها وتنسيقها على حوائط العرض، أطلق لخيالك العنان من أجل أن تقرر ما سوف يتم تعليقه على هذه الحوائط ؟.
لا يمكن الاستمرار في تعليق اللوحات (المكونات أو الأجزاء) بصورة فردية دونما النظر إلى المساحة الكلية للحوائط (الكل أو المجموع)، حيث يمكن أن يترتب على هذا التصرف تركيز معظم اللوحات في مكان واحد من الحوائط والمساحة الباقية تصبح فارغة (العديد من الأشياء في مكان واحد) أو أن تلك اللوحات غير ملائمة (في الحجم مقابل مساحة الحوائط مثلا) أو أنها مختلفة الأحجام (التنسيق غير ملائم). من هنا لابد من اعتماد النظرة الشاملة أو الشمولية.
مثال آخر، مجموعة مكونة من العديد من الأفراد (المكونات – الأجزاء) لا يعملون سويا بصورة جيدة جلسوا يتناقشون فيما بينهم من أجل التوصل إلى أتفاق على العديد من القرارات (المجموع) المتعلقة بسير العمل في أحد المؤسسات، الاجتماع لا يسير بشكل جيد نظرا لتباين وجهات النظر تجاه مواضيع البحث ولأن كل فرد في المجموعة يحاول الدفاع عن نفسه أمام الآخرين لما قد يتخيله أو يشعر به على أنه نقد موجه إلية، بصورة ما تمت مناقشة المواضيع الغير هامة خلال ساعات طويلة حتى تم الاتفاق عليها بينما تركت الأمور الهامة و الملحة تراوح مكانها حتى انفض الاجتماع. غادر الجميع الاجتماع وقد استنفذوا فكريا ولكن في نفس الوقت ينتابهم الشعور بأنهم لم يحققوا الكثير مما أرادوا. لماذا تحدث مثل هذه المواقف ؟
حتى نستطيع الإجابة عن ذلك لابد لنا في البداية من التوقف والنظر إلى كل فرد في هذه المجموعة كل على حده ونسأل أنفسنا هل هذا الشخص (الجزء) لدية القدرة و الجودة للعمل من خلال هذه المجموعة (الكل) ؟ وأيضا إن قمنا بتسجيل أسماء أفراد هذه المجموعة على هيئة قائمة ثم بدأنا في التساؤل أمام أسم كل واحد منهم بمعلومية مشاركته في هذا الاجتماع المشار إلية وعلاقته به، هل هذا الشخص كان مساهما أم لم يكن مساهما في نشوء هذه المشاكل، مما يجعلنا عند حد معين قادرين على اتخاذ قرار استبعاده من المجموعة متوقعين أن ذلك سيجعل المجموعة تعمل بصورة جيدة في المستقبل.
إن حظوظ هذا القرار من النجاح ليست كبيرة بسبب توجه التفكير إلى النظر فقط إلى ما قام به الشخص (الجزء) في الاجتماع دونما النظر إلى علاقاته مع الآخرين أثناء الاجتماع الذي يعتبر أمرا حاسما لمعرفة ماذا يجرى، وبالتالي فإن توجه التفكير لمعرفة وتحديد العلاقة بين فردين (الأجزاء) من الأفراد ثم بين اثنين آخرين....الخ حتى نصل إلى معرفة وتحديد العلاقات بين مجموع الأفراد ببعضهم البعض (الكل – المجموعة) لاستكشاف التفاعلات بين هذه العلاقات مجتمعه هي من العوامل الرئيسية التي تحدد في النهاية كيف تعمل هذه المجموعة (الكل)، إن سلوك المجموعة (الكل) يتولد بشكل عام نتيجة التفاعلية بين الكل ولا يمكن التنبؤ به بشكل منفصل عن طريق النظر فقط إلى سلوك كل جزء في هذه المجموعة بصورة منفردة.
إن الفكرة الأساسية التي يبنى عليها مفهوم التفكير الشامل هي لابد من التفكير دائما في الكل و ليس في الجزء وعلى الرغم من ذلك سنجد هناك قصور في هذا المفهوم عند تحديد من هو الجزء ومن هو الكل، فمثلا الإنسان قد يعتبر الكل في حد ذاته و هو الجزء ضمن العائلة أو الفريق أو المجموعة، كما أن العائلة أو الفريق أو المجموعة قد تكون الكل ولكنها تشكل الجزء في المجتمع أو النادي أو المؤسسة وهؤلاء على الرغم من أنهم معتبرون ككل ولكنهم أجزاء يشكلون مع أجزاء أخرى الدولة....الخ. وبالتالي فالجميع هم أجزاء وفى نفس الوقت يشكلون المجموع أو الكل. الغزالة بمفردها في الغابة هي جزء لا تستطيع العيش بمفردها إلا من خلال القطيع (الكل) الذى يوفر لها الحماية والقطيع جزء من النظام البيئي (الكل) وهكذا.
على عكس أسلوب التفكير المختزل فإن أسلوب التفكير الشامل (الشمولى) ينظر إلى طبيعة وسلوك الكل أو المجوع المراد فهمه أو معالجته وإذا لم يؤتى ذلك ثماره فسيتم توجيه النظر إلى الكل أو المجموع الأكبر أو الأعلى من الحالي ومعاودة التجربة مرة ثانية وهكذا، مقاربة كل من التفكير المختزل و التفكير الشامل تعملان دائما في اتجاهين مختلفين.
هناك أيضا مشكلة أخرى تكمن في مفهوم هذا الأسلوب من التفكير وهى كيفية النظر إلى الكل وفهم مجموع السلوك لهذا الكل الذي يمثله المجموعة أو القطيع أو المجتمع أو حتى النظام البيئي، ولذلك ليس من السهل التفكير بصورة شمولية تامة لأن المخ البشرى يلتقط العديد و العديد من المعلومات المحسوسة معظم الوقت وعلية تنظيمها أو بناء هيكلية لها بشكل من الأشكال ونظرا لضخامة المعلومات الملتقطة فإنه يقوم خلال هذه العملية بالتقاط الأجزاء المهمة من هذا الكم من المعلومات ويتغاضى عن بقيتها، حيث يتم تخزين هذه المعلومات الملتقطة تحت ما يسمى بفئات ذات وجود سابق.
الناس لديها ميل لتذكر الأحداث التي تعمل على تأكيد نظرتهم للواقع فمثلا سنجد أنه إذا ظن أحد الأشخاص ظنا سيئا بأحد زملائه على أنه يريد الإيقاع به عن طريق التقرب إليه، عند هذا الحد فإنه سيتذكر مباشرة بعض المواقف و الأحداث التي يمكن أن تؤكد ظنه هذا بل والذهاب إلى ابعد من ذلك عن طريق تشويه بعض الحقائق التي تنفى هذا الظن، فربما يكون هذا التقرب من باب توطيد الصداقة فيما بينهم، ولكن سيستمر هذا الظن والتأكيد على أنه في غير مصلحته.
ولذلك سيكون من السهل واليسير ترجمة ما يحدث أمامنا مباشرة على أنه تأكيد لما نفكر به وليس القيام دائما بإعادة التفكير والتقييم لما نريد أن نقتنع به في كل الأوقات أو بعبارة أخرى لابد أن نحاول تبسيط الأفكار والمعلومات الهائلة التي نتلقاها وتحويلها إلى أنماط مألوفة لنا، في الحقيقة كافة أساليب التفكير تسعى إلى التبسيط نظرا لأنه من غير الممكن التعرف على وفهم حقيقة الواقع المحيط بنا بأكمله. التفكير الشامل (الشمولى) يعمل على تبسيط المجموع أو الكل وهذا ما يميزه عن الأساليب الأخرى.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق